فصل: مسألة نهر إلى جانب قرية يبس من ناحية من نواحيه شيء حتى صار أريضا يعتمل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة نهر إلى جانب قرية يبس من ناحية من نواحيه شيء حتى صار أريضا يعتمل:

وسئل عن نهر إلى جانب قرية يبس من ناحية من نواحيه شيء حتى صار أريضا يعتمل لمن يكون ذلك؟ قال لصاحب الأرض الذي يلي النهر من الناحية التي يبست إن كانت تلك الأرض لرجل، وإن كانت بور القوم فهي بسبيل البور، قال: ولو كان النهر مال إلى ناحية عن مجراه فصار مجراه في أرض لرجل كان يليه بأرضه فإن الأرض التي انكشف عنها الماء بين الرجلين اللذين كانا يليان النهر بأرضيهما من جانبيه قال سحنون: أرى مجرى النهر مواتا لا يكون لمن يليه بأرضه إلا بقطيعة من الإمام القاضي.
قال محمد بن رشد: المعنى في قول عيسى بن دينار أنه حكم بموضع النهر لمن كان يليه من جانبيه لما كان الماء من حقهما أن ينشئا عليه رحى دون غيرهما، فإذا يبس شيء من ناحية من نواحيه حتى صار أرضا يعتمل فهو لمن كان يليه بأرضه من تلك الناحية ما بينه وبين النصف، فإن يبس منه أكثر من النصف كان ما زاد على النصف لمن يلي النهر من الجهة الأخرى كما أنه إذا مال عن مجراه يكون الموضع الذي مال عنه بين الرجلين اللذين كانا يليانه بأرضيهما ويكون للذي صار النهر في أرضه أن ينشئ عليه رحى دون غيره، وهو مذهب ابن الماجشون، حكى ذلك ابن حبيب عنه، وحكي عن مطرف وأصبغ مثل قول سحنون أن مجرى النهر موات لا يكون لأحد إلا بقطيعة من الإمام القاضي يبست ناحية منه أو يبس النهر كله أو تحول عن مجراه إلى مجرى آخر، قال: لأن الأنهار التي لم ينشئها الناس ليست ملكا لأحد، وإنما هي طريق للمسلمين فمواضعها فيء لجميع المسلمين لا يستحقها من كان يلي النهر من جهته بمالهما من الحق في إنشاء الأرحاء عليها، وبالله التوفيق.

.مسألة يبيع الرجل خصب أرضه:

وسئل عيسى عن قول مالك: إذا كانت لرجل أرض فلا بأس أن يمنع كلأها إذا احتاج إليه، وإلا فليخل بين الناس وبينه، وعن قوله: لا بأس أن يبيع الرجل خصب أرضه عامه ذلك ولا يبيعه عامين ولا ثلاثة، وذلك أن يبلغ مرعاه.
قلت: أي خصب هذا الذي أجاز له بيعه؟ وأي خصب الذي أمره إذا لم يحتج إليه أن يخلي بين الناس وبينه؟ فقال: أما الخصب الذي يجوز له بيعه ومنع الناس منه احتاج إليه أو لم يحتج فمروجه وحماه، وأما الذي لا يجوز له منعه الناس إلا إذا احتاج إليه فما سوى المروج والحمى من خصب فدادينه وفحوص أرضه وما أشبهها، فإنه لا يجوز له منعها إذا لم يحتج إليه، ويجبر على أن يخلي بين الناس وبينه إلا أن يكون عليه في تخلص الناس إليه بمواشيهم ودوابهم مضرة مثل أن يكون له الفدان فيه الخصب وحواليه زرع فإن أرادوا التخلص إليه بالمواشي أضر ذلك بزرعه الذي حواليه، فهذا وما أشبهه يكون له منعه، وإن لم يحتج إلى ذلك الخصب ولا يجبر على أن يخلي بين الناس وبينه لما عليه في ذلك من المضرة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادة شيء منه، وبالله التوفيق.

.مسألة أصول المياه لا تستحق بالانتفاع بها:

وكتب إلى عيسى في رجل يقال له مغيرة ابتاع من رجل ماء ملاصقا لأرض رجل يقال له حارث، وكان الماء في داخل بور ابتاعه مغيرة، فقطع عنه الشجر وغرس عليه الثمار حتى أطعمت منذ عشرين سنة أو نحوها وأغلق عليها بحائط، ثم إن حارثا قام عليه يدعي أنه كان منتفعا بذلك الماء قبل إغلاق مغيرة عليه، وشهدت له بذلك بينة، قال فكتب إليه: نرى أن لا حق لحارث فيما قام به على مغيرة، وأن الحق لمغيرة، ولو كان أيضا أصل الماء لحارث خالصا دون مغيرة فأغلق عليه مغيرة بحائط وغرس عليه الثمار واحتازه وما حوله بالعمل والعمران وحارث شاهد ذلك حتى أتى عليه نحو الذي ذكرت من السنين لكان مغيرة أحق به إذا ادعاه ملكا لنفسه وأبطلت دعوى حارث فيه، فكيف والماء في داخل البور الذي ابتاعه مغيرة؟ وإنما ثبت لحارث أنه كان منتفعا به قبلما أغلق عليه مغيرة، وليس تستحق مياه الفلوات بالانتفاع بها دون استحقاق أهلها، وقد ترد الماشية مياه غير أهلها وترعى مرعى غير أهلها فيريد أهل الماشية أن يستحقوا ذلك بورود ماشيتهم عليه ورعيها فيه، أفيكون ذلك لهم؟ لا يكون ذلك لهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة، قوله فيها إنه لا يستحق حارث أصل الماء الذي في الحائط الذي ابتاعه مغيرة بما شهد له به بأنه كان منتفعا به قبل أن يغلق عليه مغيرة بحائط صحيح، لأن أصول المياه لا تستحق بالانتفاع بها، إذ من حق من قرب منها أن ينتفع بما فضل منها بلا ثمن إن لم يجد له صاحبه ثمنا باتفاق، وإن وجد فعلى اختلاف. وقوله: ولو كان أصل الماء لحارث فأغلق عليه مغيرة وغرس عليه واحتازه حتى أتى عليه من السنن ما ذكرت لكان مغيرة أحق به إذا ادعاه ملكا لنفسه، معناه إذا ادعاه ملكا لنفسه بأن يقول: اشترته منه أو وهبه لي أو تصدق به علي، أو يقول: ورثته عن أبي أو عن فلان لا أدري بأي وجه تصير إلى الذي ورثته عنه، وأما مجرد دعوى الملك دون أن يدعي شيئا من هذا فلا ينتفع به مع الحيازة إذا ثبت أصل الملك لغيره، وبالله التوفيق.

.مسألة أعطاه موضعا يعمل له فيه رحى على جزء من غلتها:

من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن رجل كان له موضع رحى فأعطاه رجلا يعمل فيه رحى على أن يكون للعامل من غلتها غلة يوم وليلة كل جمعة، فعمل الرجل على ذلك وأقام على تلك الحال نحوا من ثلاثين سنة، ثم تبين لهم أن ذلك لا يصلح، كيف يصحح مثل هذا؟ قال ابن القاسم: تكون الغلة كلها للعامل، ويغرم له صاحب الأرض كل ما أخذ من غلتها إن كان أخذ طعاما فمكيلة ما أخذ، وإن كان أخذ دنانير أو دراهم غرم ذلك كله، وإن كان لا يعرف مكيلة ما أخذ من الطعام غرم قيمة خرص ذلك كله، ولا يغرم مكيلة الخرص، قال: ويغرم العامل لصاحب الأرض كراء ذلك الموضع لجميع السنين التي انتفع بها فيها.
قلت: وكيف يكون كراؤها؟ وإنما يؤخذ الكراء منه اليوم، أترى أن يقوم كراؤه على أن مستكريه أنظر بالكراء ثلاثين سنة؟ فقال: إنما الذي وقع اليوم حكم من الأحكام، ولم يكن فيما مضى كراء مؤخرا فيكون على ما ذكرت، ولكن يقوم الكراء عاما بعام على قدر رغبة الناس فيه أو زهادتهم على حال النقد وبما كان يكري به مثله عاما بعام.
قلت: ويصنع بالنقض ماذا؟ قال: يقال لصاحب الأصل إن شئت فاقلع نقضه يرفعه عنك، وإن شئت فأعطه. قيمته مقلوعا وتكون الرحى لك، قال يحيى: لا آخذ بهذا، ولكن يعطى قيمته قائما.
قلت: فإن قال: لم أقلع نقضي وإنما وضعته على أمر كنت أراه جائزا بيني وبينك، ولم أغصب ولم أظلم، بل تكون لي قيمته صحيحا، قال: ليس ذلك كذلك، وليس له إلا أن يقلعه أو بأخذ قيمته مقلوعا إن رضي بذلك صاحب الأصل، ولا يجبر على غرم قيمته مقلوعا إلا أن يشاء.
قلت: فإن كان للعامل في الموضع شرك فأحب أن يقر عمله ويأخذ الغلة كلها حتى يرد عليه قيمة العمل أيكون له أن يقر ذلك ويغتل الرحى؟ أم يجبر على القلع؟ قال: إن كان الموضع ينقسم قيل له: قاسم صاحبك وأقر عملك في حظك واقلع ما صار في حظ شريكك، وإن لم ينقسم قيل لهما: إن اتفقتما على العمل وإلا أجبر صاحبك على البيع ممن يعمل معك إن كره العمل إذا لم ينقسم، فإذا باع ممن يعمل معك وأراد هو العمل غرم لك قيمة ما يصير عليه في حظه من نقضك مقلوعا، ولا يغرم قيمته صحيحا، ويكونان شريكين في الموضع والعمل على قدر حقوقهما في الأصل، بهذا يؤمر الشريك إذا أراد العمل، أو المشتري إذا باع الشريك فكره العمل، قال يحيى: لا نأخذ بهذا القول، ولا أرى أن يباع عليه، قال سحنون: إنما جوز هذا البيع لحال الضرر إذا كان البائع لا مال له، ولو كان له مال لما جاز بيعه ممن يبنيه باشتراط ولكان بيعا مكروها لا يجوز، ولكن يجبر على العمل على ما أحب أو كره، وكذلك الجارية يأذن لها سيدها بالإحرام فتحرم ثم يطؤها إن عليه أن يحجها، فإن قام عليه الغرماء وفلسوه باعوها وجاز ذلك بحال الضرر ممن يحجها وحط بذلك عن المشتري، فكل ما ضارع هذا الأصل مما يشبهه فإنما جاز بيعه بحال الضرورة، وكذلك البئر تكون بين الرجلين وعليها لقوم حياة فانهارت فإن من أبى يجبر على البيع أو العمل، وكذلك مسألة الأمة لها الولد الصغير يعتق السيد أحدهما أنه لا يجوز له بيع الرقيق منهما إلا من فلس أو ضرر فحينئذ يكون ما قال ابن القاسم تباع ويشترط على المبتاع ألا يفرق بينه وبين أمه، وهذه مثالها في كتبك كثير مما لا يجوز بيعه إلا على الفلس والضرر وبيع السلطان.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت رواية يحيى هذه في نوازل عيسى بن دينار مختصرة، وتكلمنا هناك على بعض وجوهها، ووقعت هاهنا بكمالها، فنتكلم على ما بقي من وجوهها إن شاء الله. قوله في أول المسألة: وإن كان لا يعرف مكيلة ما أخذ من الطعام غرم قيمة خرص ذلك كله، ولا يغرم مكيلة الخرص معناه إذا لم يدع واحد منهما معرفة ذلك، وأما إن ادعيا جميعا معرفته واختلفا فيه فالقول قول الغارم العامل، فإن نكل عن اليمين حلف صاحب الأصل وأخذ ما ادعى، وإن ادعى أحدهما معرفة مبلغ ذلك وقال الآخر: لا أدري فالقول قول من ادعى المعرفة منهما، قيل: مع يمينه، وقيل: بغير يمين على الاختلاف في لحوق يمين التهمة، وإنما قال: إذا جهلا ذلك أنه لا يغرم مكيلة الخرص وإنما يغرم قيمته؛ لأنه إن أخذ مكيلة الخرص من الطعام دخلت المزابنة، إذ لا يدري هل أخذ أقل من حقه من الطعام أو أكثر، فيدخله التفاضل في الصنف الواحد من الطعام مع الغرر والمزابنة، ولو أخذ منه على غير خرص دق الطعام ما لا يشك أنه أقل مما اغتل أو أكثر لجاز ذلك لأنه هبة من أحدهما لصاحبه، وكذلك إذا كان الذي اغتلا دراهم لا يعرفان مبلغها أو دنانير لا يعرفان مبلغها الواجب فيه أن يتحرى مبلغ الدنانير فيأخذ منه دراهم فيها نقدا قبل افتراقهما، وأن يتحرى أيضا مبلغ الدراهم إن كان الذي اغتل دراهم، فيأخذ منه فيها دنانير نقدا قبل افتراقهما بصرف يومهما أو بما يتفقان عليه من الصرف، ولا يجوز أن يأخذ من الدنانير ما تحريت به الدنانير ولا من الدراهم ما تحريت به الدراهم للعلة التي ذكرناها في الطعام إلا أن يأخذ عددا لا يشك أنه أقل من حقه أو أكثر على قياس ما ذكرناه في الطعام، وقال: إن العامل يغرم لصاحب الأصل كراء ذلك الموضع لجميع السنين التي انتفع بها فيها، ولم يبين من أي يوم، ويتخرج ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها أن الكراء يكون عليه من يوم وقعت المعاملة بينهما، والثاني أن الكراء يكون عليه من يوم شرع في البنيان، والثالث أن الكراء إنما يكون عليه من يوم اغتل على الاختلاف في هذا النوع من الفساد في المغارسة. وقوله: إن الكراء إنما يقدر بالنقد عاما بعام صحيح لا إشكال فيه، لأن ما فات من البيع الفاسد إنما يصحح بالقيمة نقدا يوم الفوات وإن تأخر الحكم عن ذلك، وقد مضى في نوازل عيسى بن دينار توجيه اختلاف ابن القاسم ويحيى بن يحيى في النقض هل يكون للعامل قيمته قائما أو منقوضا، فلا معنى لإعادته، وإنما يكون له قيمته قائما عند يحيى على ما هو عليه من البلى، يوم الحكم لا يوم عمله، وقد مضى بيان ذلك والقول فيه في أول النوازل المذكورة، وقد ذكرنا هناك في ذلك تأويلين: أحدهما أن يحط من نفقته قدر ما بين قيمة البناء جديدا أو باليا، والثاني أن ذلك يرجع إلى أن يكون له في ذلك ما زاد بنيانه في قيمة الرحى على ما هو عليه من البلى، وهذا التأويل أظهر في هذه المسألة، والتأويل الأول أظهر في مسألة النوازل المذكورة، ولم يأت ابن القاسم بحجة فيما اعترض به عليه يحيى بن يحيى بقوله: فإن قال لم أقلع نقضي، وإنما وضعته على أمر كنت أراه جائزا بيني وبينك ولم أغصب ولم أظلم، بل تكون قيمته لي صحيحا إلى قوله: ليس ذلك كذلك، وقد مضى القول على ذلك مستوفى في النوازل المذكورة فلا معنى لإعادته، وسأله إن كان للعامل في الموضع شرك هل يكون من حقه أن يقر عمله وتكون له الغلة حتى يأتيه شريكه بما يجب عليه من قيمة العمل أم لا؟ فلم يعطه في ذلك جوابا بينا، والجواب أن ذلك ليس له عنده، وإنما الواجب في ذلك على مذهبه في أنه ليس للعامل إلا قيمة عمله منقوضا أن يقسم إن كان ينقسم فيقر ما صار من عمله في حظه، ويقلع ما صار منه في حظ شريكه إلا أن يشاء شريكه أن يأخذه بقيمته مقلوعا، وإن كان لا ينقسم أجبر الشريك أن يعطيه قيمة حظه من العمل منقوضا ولم يكن له أن يأمره بقلعه، إذ لا ينقسم، فإن لم يكن له مال بيع عليه في ذلك حظه من الرحى قائما، ولا يجوز أن يبيع حظه من أصل الرحى على أن يؤدي المشتري إلى الشريك العامل قيمة حظ البائع منه من النقض منقوضا لأنه غرر إلا أن يكون ذلك بعد معرفتهما بالقيمة، ويختلف إذا أدى الشريك إلى العامل قيمة حظه من العمل منقوضا وأبى أن يعمل معه فيما يستقبل على ثلاثة أقوال: أحدها أن يقال له: إما أن تعمل معه وإما أن تبيع ممن يعمل معه بشرط، فإن أبى من الوجهين جميعا فقيل: إنه يجبر على أن يعمل معه إن كان له مال إلا أن يبيع حظه بغير شرط فيقال للمبتاع ما قيل للبائع، وقيل: إنه يجبر على أن يبيع ممن يعمل معه، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، وإن لم يكن له مال أجبر على بيع حظه ممن يعمل معه بشرط ألا يبذر فيبيعه بغير شرط قبل أن يباع عليه بالشرط فيقال للمبتاع ما قيل للبائع، وهذا على القول بأن البيع على هذا الشرط جائز، وهو مذهب ما في المدونة وقول ابن القاسم في هذه الرواية، والقول الثاني أن البيع على هذا الشرط لا يجوز، ويجبر على العمل معه إن كان له مال، وإن لم يكن له مال بيع عليه من حظه بقدر ما يلزمه من العمل فيما بقي من حظه بعد ما بيع عليه منه، وهو قول مالك في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب الأقضية، والقول الثالث: الفرق بين أن يكون له مال أو لا يكون، فإن كان له مال لم يمكن من بيع حظه على هذا الشرط وأجبر على العمل معه، وإن لم يكن له مال مكن من ذلك، وهو قول سحنون إن البيع على هذا الشرط لا يجوز إلا على حال الضرورة، وهو قول يحيى: لا آخذ بهذا القول ولا أرى أن يباع عليه معناه لا آخذ بأن القيمة تكون في ذلك منقوضة على ما تقدم من مذهبه ولا بأن يكون الحكم في ذلك حكم من استحق من يده ما بناه بشبهة فيكون من حقه إذا أبى أن يعطيه قيمة بنيانه قائما أن يعطيه قيمة الأصل، فإن أبى كانا شريكين فيه لأن ذلك يؤول إلى أن يباع على صاحب الأصل أصله وأن يباع عليه هو بنيانه، وإنما الذي يكون من حقه للشريك الذي له في الموضع أن يقر عمله فيه وتكون له الغلة حتى يأتيه شريكه بما يجب عليه من قيمة العمل، ويحتمل أن يريد بقوله: ولا أرى أن يباع عليه إلا أن يكون من حقه إذا أبى شريكه أن يعطيه قيمة بنيانه قائما أن يعطيه هو قيمة الأصل ويكونا فيه شريكين، إذ قد قيل ذلك في حكم الاستحقاق، وهذا التأويل أصح من جهة المعنى، لأن الفسخ من جهة الفساد شبيه بالاستحقاق، والتأويل الأول أظهر من جهة اللفظ، وبالله التوفيق.

.مسألة قرية بها غامر فأراد أهلها أن ينتفعوا بحرثه كيف يقسم بينهم:

قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن قوم سكنوا قرية لبعضهم فيها أكثر من بعض، وللقرية غامر، فأرادوا أن يخترقوه وينتفعوا بحرثه كيف يقسم بينهم؟ أعلى قدر مالهم من أصل سهام القرية؟ أم على قدر ما في أيديهم اليوم منها؟ أم على عددهم؟ وعسى أن يكون في القرية من ليس بيده منها إلا مسكنه أو الشيء القليل منها، فقال: إن ادعوا الغامر لأصل القرية وبذلك يجاورون جيرانهم من أهل القرى قسم الغامر على أصل سهام القرية على قدر ما لهم في أصل ذلك، ومن لم يكن له من أصل سهام القرية شيء بميراث ولا باشتراء سهم ولا عطية سهم وإنما اشترى أو أعطي حقولا بأعيانها أو حوزا من الأرض بعينه أو دارا أو مقصلة أو ما أشبه هذا مما يشترى بعينه ليس ما اشترى سهما من السهام يجاري به في القسمة أهل الميراث فلا حق لهؤلاء في الغامر وهو يقسم على كل ذي سهم من أهل الميراث، ومن اشترى أو أعطي شيئا مشاعا فهو يكون به قسيما على قدر سهامهم، قال: وإن ادعوا الغامر أجمعون لأنفسهم وفيهم وارث وغير وارث ومشتري سهم ومعطاه ومشتري غير سهم فتداعوا فيه كلهم فقال كل واحد الغامر لي دونكم فإنه يقسم على أهل القرية كلهم إذا تداعوا فيه أجمعون على عددهم كالشيء الذي يتداعى فيه رجلان فلا يستحقه واحد منهما دون صاحبه، فيقسم بينهما بعد أن يحلفا جميعا على ما ادعياه فيه.
قلت له: فالغامر يكون بين عمران قريتين مثل أن تكون قرية في ناحية الشرق وأخرى في ناحية الغرب وبينهما الميل أو الأميال وفيما بين عمران القريتين ومنتهى ما حرث من مزارعها أرض غامرة فيريد أهل إحدى القريتين حرث ذلك الغامر ويدعونه من حوز أرض قريتهم، ويريد أهل القرية الأخرى مثل ذلك ويدعون مثل دعواهم ولا بينة لهؤلاء ولا لهؤلاء على منتهى حوزهم من الغامر، ولا هل لهم دون أهل القرية الأخرى، فكيف ترى أن يقسم بينهم؟ قال: إن ادعاه هؤلاء لأصل القرية وهؤلاء مثل ذلك قسم بينهم بنصفين، ولا ينظر إلى قلة عمران إحدى القريتين، وإن قل جدا ولا إلى كثرة عمران الأخرى وإن كثر جدا، ثم يقسم أهل كل قرية نصفهم على سهامهم في قريتهم، وإن ادعوه أجمعون لأنفسهم يدعيه كل واحد منهم له دون صاحبه قسم بينهم أجمعين.
قلت: فإن كانت القريتان كلتاهما من شق واحد متجاورتين والغامر أمامهما أتقسمه بينهما نصفين أيضا؟ قال: لا ولكن لأهل كل قرية ما كان حذاء غامرها من الغامر قل ذلك أو كثر، وهو عندي بمنزلة الفناء يكون حذاء الدارين فإنما يعطى صاحب كل دار من الفناء إذا تداعيا فيه ما كان حذاء بنيان داره قل ذلك أو كثر.
قال محمد بن رشد: هذه ثلاث مسائل، قال في الأولى منها: إن لأهل القرية أن يقتسموا غامر قريتهم على قدر سهامهم فيها إن ادعوه لأصل القرية، أو على عددهم إن ادعاه كل واحد منهم لنفسه بعد أيمانهم، ولم يبين إن كان هذا الغامر داخل القرية أو خارجا عنها، وذلك يختلف، أما إذا كان داخل القرية فلا اختلاف في أنه يقسم بينهم على ما قال بالسهمة على وجه قسمة الأرض بين الأشراك لأنه كالساحة للدار ذات البيوت، ألا ترى أنه لا يجوز للإمام إقطاعه، قيل: إذا اجتمعوا كلهم على قسمته أو جلهم ورؤساؤهم ومن إليه عماد أمرهم كساحة الدار لا تقسم إلا باجتماعهم على قسمتها، وهو قول أصبغ، وقيل: إنه يقسم بينهم وإن دعا إلى ذلك بعضهم كالأرض بين النفر، وهو الصحيح في النظر المشهور في المذهب المعلوم من مذهب مالك وعامة أصحابه ابن القاسم وغيره. وأما إذا كان الغامر خارج القرية فاختلف أصحاب مالك في قسمته، ذهب ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون وابن نافع في أحد قوليه ومالك في رواية محمد بن يحيى السبائي عنه إلى أنه يقسم بينهم على ما يدعونه من أنه من أصل قريتهم، أو على عددهم بعد أيمانهم إن ادعاه كل واحد منهم ملكا لنفسه بالسهمة على وجه القسمة، وذهب ابن وهب وابن كنانة وأصبغ وابن نافع في أحد قوليه إلى أنه لا يقسم وإن اتفقوا على قسمته لما لعامة المسلمين فيه من المرافق باحتطابهم منه ومراعي دوابهم فيه من المارة وغيرهم إلا أن يثبت أنه لهم ومن حيز قريتهم فيقسم بينهم على ما يثبت حقهم فيه بالسهمة أيضا على وجه القسمة، وعلى قياس هذا القول يأتي ما وقع في كتاب الشهادات من المدونة في قوم ادعوا عفوا من الأرض وأقام هؤلاء بينة وهؤلاء بينة وتكافأت البينتان أنه يكون كسائر عفو بلاد المسلمين إذ لم ير أن يقسموه بينهم بعد أيمانهم إذ تكافأت البينتان؟ والمسألة الثانية في الغامر يكون بين قريتين إحداهما في الشرق والثانية في الغرب أو إحداهما في القبلة والثانية في الجوف يأتي على هذا الاختلاف في جواز قسمته، وكذلك إن كان متوسطا بين قرى كثيرة إلا أنه لا يقسم على مذهب من رأى أن قسمته بالسهمة، وإنما يقسم بالتعديل بالقيمة ويجعل نصيب كل قرية مما يليها ليرتفع الضرر بذلك عنهم بدخول بعضهم على بعض، وهذا القول اختار ابن حبيب وقال: إنه لا تحمل الشعراء المجاورة للقرى أو المتوسطة بينها محمل العفا من الأرض الذي هو لعامة المسلمين، ألا ترى أنه ليس للإمام أن يقطع منها أحدا شيئا لأنه حق من حقوقهم كالساحة للدار أو للدور إنما العفا فيما بعد من العمران مما لا تناله ماشيتهم في غدوها ورواحها، فهذا لا حق فيه لأحد من أهل، القرى التي تجاوره ولا لغيرهم إلا بقطيعة من الإمام القاضي إن رأى إقطاعه بالناس أرفق من إقراره كما هو على حاله، واعترض الفضل قال ابن حبيب: إنه ليس للإمام أن يقطع شيئا من الشعراء التي تكون بين القرى، قال: وأين يقطع الإمام القاضي إلا فيما قرب من العمران، وهذا لا يلزم؛ لأنه إنما أراد أنه ليس للإمام أن يقطع من الشعراء القريبة من القرى جدا لأن إقطاعها ضرر بهم في قطع مرافقهم منها التي كانوا يختصون بها لقربهم منها على ما سنذكره فيما تكلمنا على أول مسألة من رسم الدور والمزارع إن شاء الله عز وجل؛ والمسألة الثانية في الغامر يكون حذاء قريتين متجاورتين تجري أيضا على الاختلاف المذكور في جواز القسمة إلا أنها لا تقسم على مذهب من رأى قسمة الغامر بالسهمة ولا بالتعديل بالقيمة، وإنما يكون لكل قرية من الغامر ما كان حذاء غامرها كما قال، وبالله التوفيق.

.مسألة ليس له أن يحدث ما يضر بالمخاضة التي هي ممر المسلمين:

ومن كتاب الصبرة:
قال: وسألته عن الرجل تكون له في أرضه مخاضة نهر فيريد أن ينصب في موضعها رحى، وتلك الرحى تغور المخاضة، أو ينصب الرحى تحتها فيغرق بالمخاضة ويقطعها أيجوز ذلك له؟ فقال: ليس ذلك له أن يحدث رحى ولا غيرها بموضع يجر بذلك العمل ضررا على الناس في المخاضة بقطعها ولا تغويرها ولا أمر يغيرها عن حالها مما يرى أنه ضرر وجر إلى فساد المخاضة التي هي طريق للعامة.
قلت: فإن كانت المخائض منها على قرب مثل الميل أو الميلين أو الغلوة أو الغلوتين أيجوز له أن يرد الناس إلى بعض تلك المخائض فينتفع هو بما أحب أن يضع في أرضه وموضع رحاه؟ فقال: لا يجوز له تحويل الناس عن طريقهم إلى غيرها، ولا يجوز للناس منعه مما لا يضر بهم، فإن كان يقدر على عمل الرحى ولا يضر ذلك المخاضة ولا يغيرها عن حالها لم يمنع من العمل، قيل له: إن الضرر لا يتبين إلا بعد فراغه من العمل، قال: يقال له إن الذي يريد من العمل يخاف عاقبته، فإن زعمت أنه غير مضر فاعمل، فإن تبين ضرر عملك أبطلناه عليك ورددنا المخاضة على حالها، فإن شاء أن يعمل عمل على ذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه ليس له أن يحدث ما يضر بالمخاضة التي هي ممر المسلمين من تغديرها أو تغويرها أو توعيرها وإن كانت المخائض منها على قرب مثل الميل أو الميلين أو الغلوة أو الغلوتين لما على الناس من المشقة في خروجهم عن طريقهم الغلوة الواحدة وهي منتهى السهم مائتا ذراع فما زاد على ذلك لقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا ضرر ولا ضرار» ولو كانت المخائض على القرب جدا لم يمنع من إحداث الرحى على ما قاله في نوازل أصبغ بعد هذا ليسارة المؤونة على الناس في خروجهم عن طريقهم الشيء اليسير، فلا يمنع من منفعته بما يريد أن يحدثه في أرضه لما ليس فيه كبير مشقة على الناس، والأصل في هذا قول رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا اجتمع ضرران ينفي الأصغر الأكبر» لأن منع الرجل من أن يحدث رحى في أرضه ضرر به، ورد الناس عن طريقهم إلى غيرها ضرر بهم، فأي الضررين رأى أنه أصغر أي أقل ضررا بقي لصاحبه أي لم يلتفت إليه معه، ولا حد في ذلك إلا ما يؤدي إليه الاجتهاد الذي هو أصل في تقييد الأحكام عند عدم النص، «قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن واليا: بم تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأي، قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضي رسوله». وأما قوله إن لم يتبين الضرر بالمخاضة إلا بعد العمل فإنه يقال له اعمل على أنه إن أضر عملك بالمخاضة أبطلناه عليك فهو صحيح، ومعناه إذا رجعت المخاضة إلى حالها بإبطال عمله، ولو كانت المخاضة لا ترجع إلى حالها بإبطال عمله لوجب أن يمنع من العمل بما يخاف أن يضر كما يمنع بما يوقن أن يضر على قياس قوله هذا، وليس بخلاف لما في سماع حسين بن عاصم بعد هذا في نحو هذا أنه لا يمنع من منافعه الحاضرة لشيء لا يدري أيكون أم لا، وسنتكلم على الفرق بين المسألتين هناك إذا وصلنا إليها إن شاء الله، وبه التوفيق.

.مسألة الموات الذي يستحقه الناس بالإحياء:

ومن كتاب يشتري الدير والمزارع:
قال يحيى: قلت لابن القاسم: أرأيت ما قرب للأمصار والمدن من الموات الذي لا يجوز للناس أن يستحيوه إلا بأمر الإمام القاضي إذا أقطعه الإمام القاضي رجلا أيورث عنه أو يبيعه إن شاء؟ فقال: نعم.
قلت: ويكون أحق به وإن لم يعمره؟ فقال: نعم، ليست حاله حال المعادن.
قال محمد بن رشد: الموات الذي يستحقه الناس، بالإحياء لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» هي الأرض الميتة لا نبات فيها، قال ذلك مالك رَحِمَهُ اللَّهُ في رواية ابن غانم عنه بدليل قول الله عز وجل: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [النحل: 65] فلا يصح الإحياء إلا في البور، والإقطاع يكون في البور والمعمور إلا في معمور أرض العنوة التي الحكم فيها أن تكون موقوفة لا تقسم ولا تملك، فإذا أقطع الإمام القاضي أحدا شيئا من الأرض المعمورة فلا كلام في أن المقطع يستحقه بنفس الإقطاع، وكذلك إذا أقطعه شيئا من الموات ليحييه يستحقه بنفس الإقطاع فيورث عنه ويكون له أن يتصرف فيه بما شاء من بيع أو غيره، إلا أن للإمام أن يأخذه بإحيائه، فإن لم يفعل أو عجز عن ذلك أقطعه سواه، إذ ليس له أن يتحجر ما أقطع عن الناس فلا ينتفع به هو ولا سواه، والأصل في ذلك ما روي من «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطع لبلال بن الحارث من العقيق ما يصلح للعمل فلم يعمله، فقال عمر بن الخطاب: إن قويت على عمله فاعمله وإلا فأقطعه للناس، فقال له: قد أقطعنيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال عمر: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترط عليك فيه شرطا، فأقطعه عمر للناس ولم يكن بلال اعتمل شيئا» فإن باعها أو وهبها أو تصدق بها بعد عجزه عن عمارتها قبل أن ينظر الإمام القاضي في ذلك نفذ ذلك ومضى، لأن الغرض ألا تبقى الأرض محجرة عن الانتفاع بها، والمبتاع والموهوب له والمتصدق عليه يحل محل البائع والواهب، فقوله في الرواية قلت: ويكون أحق بها وإن لم يعمرها؟ قال: نعم معناه أنه أحق بها إذا قال أنا أعمرها، وأما إن قال: لا أعمرها أو عجز عن عمارتها فللإمام أن يقطعها سواه، ولو أحياها سواه بعد أن عجز هو عن عمارتها بغير قطيعة من الإمام القاضي لجرى ذلك على الاختلاف فيمن أحيا ما قرب من العمران بغير إذن الإمام القاضي هل يمضي ذلك مراعاة للاختلاف في استئذان الإمام القاضي في إحياء ما قرب من العمران أو لا يمضي ويخرج عنها ويكون له قيمة بنيانه منقوضا. وأما لو أحياها سواه قبل أن يعجز هو عن عمارتها وهو عالم بذلك لكان متعديا عليه فيها لأنه قد استوجبها بنفس الإقطاع وإن لم يحزها بالعمارة ولا بالبناء خلاف ما تأول بعض الناس عليه ما وقع في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب، وليس ذلك بتأويل صحيح حسبما ذكرناه هناك. وفي قوله فقال: نعم ليست حاله حال المعادن لما سأله هل يكون أحق به وإن لم يعمره نظر لأن الظاهر منه أن المعادن بخلافه في ذلك، وذلك يقتضي ألا يكون الأحق بالمعادن حتى يعمرها، والمعادن لا حق له في أصولها وإن عمرها لأن الإقطاع فيها إنما هو في الانتفاع بنيلها لا في أصولها، فإنما تصح المسألة بأن يعاد قوله: ليست حاله حال المعادن على السؤال الأول، وهو سأله عن الموات إذا أقطعه الإمام القاضي رجلا أيورث عنه أو يبيعه إن شاء؟ فقال: نعم، لا على المسألة التي بعدها الذي أعاده عليه. وقد مضى في رسم الأقضية الأول من سماع أشهب طرف من القول في حكم إقطاع المعادن، وبقية القول في ذلك في سماع يحيى من كتاب الزكاة، ولو أقطعه أصل المعدن بإفصاح لكان حكمه حكم إقطاع الأرض الموات سواء، وحد البعيد من العمران الذي يكون لمن أحياه دون إذن الإمام القاضي ما لم ينته إليه سرح ماشية العمران واحتطاب المحتطبين إذا رجعوا إلى المبيت في مواضعهم من العمران على ما حكى الداودي في كتابه من أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء بعده كانوا يقطعون الأرضين التي جلا عنها أهلها بغير قتال ومن عفا الأرض ما لم تنله أخفاف الإبل في المرعى يريد إذا رجعت إلى المبيت في مواضعها على ما جرت به عادة الرعاة، وقال أبو حنيفة: هو أن يصيح صائح في طرف العمران فلا يسمعه من ذلك المكان، وما ذكرناه من أن الإقطاع لا يكون في المعمور من أرض العنوة هو ظاهر ما وقع في كتاب الداودي، ومثله حكى ابن حبيب عن مالك من رواية ابن القاسم عنه. قال: لا أرى للإمام أن يقطع أحدا من أرض العنوة المعمورة شيئا، قال ابن القاسم: وإنما الإقطاع في أرض الموات وفيها الخطط مثل أفنية الفسطاط التي بقرب المصلى وبالموقف إذ كانت فلاة لم يكن فيها إلا الحصن فاختط المسلمون ما كان منها صحراء فنزلوه، وبقي الحصن والعمران لم يكن لأحد، ولم يكن فيه خطط، والخطط لا تكون في المعمور كما فسرت لك عن مالك، وإنما لم يجز أن يأذن الإمام القاضي للناس بالاختطاط في قرى العنوة التي لم تقسم أو يقطع أحد منها شيئا لأن عمر بن الخطاب قد أوقفها فيئا لجميع المسلمين ولم يجعلها في المقاسم، ورأيت للخمي أن إقطاعها جائز، وليس ذلك بصحيح على مذهب مالك. وحكم إحياء الموات يختلف باختلاف مواضعه، وهي على ثلاثة أوجه: بعيد من العمران، وقريب منه لا ضرر على أحد في إحيائه، وقريب منه في إحيائه ضرر على من يختص بالانتفاع به، فأما البعيد من العمران فلا يحتاج في إحيائه إلى استئذان الإمام القاضي إلا على طريق الاستحباب على ما حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون، وأما القريب منه الذي لا ضرر في إحيائه على أحد فلا يجوز إحياؤه إلا بإذن الإمام القاضي على المشهور في المذهب، وقيل: إن استئذان الإمام القاضي في ذلك مستحب وليس بواجب، واختلف إن وقع ذلك بغير إذن الإمام القاضي على القول بأنه لا يجوز إلا بإذنه، فقيل: إنه يمضي مراعاة للخلاف، وهو قول المغيرة وأصبغ وأشهب، وقيل: إنه يخرج منه ويكون له قيمة بنيانه منقوضا، وهو القياس، ولو قيل: إنه يكون له قيمته قائما للشبهة في ذلك لكان له وجه. وأما القريب منه الذي في إحيائه ضرر كالأفنية التي يكون أخذ شي؟ منها ضررا بالطريق وشبه ذلك فلا يجوز إحياؤه بحال، ولا يبيح ذلك الإمام القاضي، وبالله التوفيق.